ولـد مـن غيـر أب

24/02/2010 7
داود المقرن

قدر لهذا الولد المؤثر بقوة شديدة في إخوانه، وأقرانه، ووطنه، أن يولد من غير أب يحويه، ويوجهه ويرشده، ويضع البوصلة أمامه، ليتجه بفعالية، وانضباط أكثر متانة من أي خرق، وأظنه ولد من غير أب! فلقد أصبح الكل يرمي عليه ما يريد، وينظر عليه ما يتمنى، حتى وصل الأمر للتدخل في تربيته ونشأته من إخوانه الكثر وجيارنه الأكثر، ومع ذلك كلــه فقد أصبح لقب البر لقباً ملاصقة له فهو باراً بأهله ووطنه. فما أجمله!

جعلت ما قلته مقدمة لما سأقوله للإيضاح، فالسوق العقاري السعودي أضحى بلا مرجعية، فلا يعلم العقاري لمن يذهب ولمن يرجع ولمن يتوجه، نتج عن ذلك تخبطات هائلة ومفجعة أضرت بالكثير، فأصبحنا نرى المهن العقارية المتنوعة سيئة المخرجات فانعدمت الثقة، ويغلب على المنتجات العقارية التقليدية فلا فكرٌ حديث ولا إبداع.

مهنة التسويق العقاري لو تأملناها بدقة أكثر فسنرى بأنها مهنة الكل، فالحد الفاصل بينك وبين هذه المهنة أن تستاجر مكتباً لتبدأ تسويق عقارات بملايين الريالات، بل وليس أصلاً من الضروري أن تستأجر مكتباً، لذا فالمعلم والطبيب والمهندس وبائع الخضار السائق والطباخ و.... أصبحوا مسوقون عقاريون. ألا تعتقد أخي القارئ الكريم أن من الضروري أن يحصل المسوق العقاري على رخصة مزاولة المهنة بعد تحقيقه لمتطلبات بسيطة من أهمها إلمامه بأبجديات السوق العقارية والعوامل المؤثرة فيه، وسلامة الملكيات، عندها يحق له تسويق عقارات ذات قيمة معينة كحد أعلى، وعند تطوير المهارات والإلمام الأكثر بتفاصيل السوق العقارية وإزدياد في خبرته العملية فيحق له تسويق عقارات ذات قيمة أعلى.

مهنة التقييم العقاري التي أعتقد انها نوع من القضاء فالمقيم العقاري يعد قاضياً لأنه من خلاله يحدد نصيب كل شخص في ميراث أو شراكة أو مقدار الضرر اللاحق وغيرها من الأمور التي يحتاج فيها للمقيم العقاري، الآن وفي وضعنا الراهن  كل من أراد التقييم العقاري فله ذلك حتى ولو كان رضيعاً في سوقنا، رضيع ويقيم عقارات بمئات الملايين يا للكارثة!.

الرهن العقاري على الأبواب ومن أهم ما يحتاجه الراهن والمرتهن التعرف على قيمة العين المرهونة، وحتما التعرف عليها سيكون من خلال مقيميين عقاريين، فهل يحق للرضيع التقييم هنا، إذن لابد من تنظيم مهنة التقييم العقاري، والاستفادة من التجارب الأمريكية والكندية في هذا المجال، من خلال تصنيف المهنة لمستويات يراعى فيها تناسب قيمة العقار مع مستوى تصنيف المقيم الذي تحدده مؤهلاته وخبراته وفراسته.

مدير الأملاك العقارية هي الأخرى مهنة عقارية تحتاج لترتيب وتنظيم. فإدارة الأملاك ليست محصورة على التأجير واستلام الأجرة وإصلاح ما يعطل. يجب أن توضع شروطاً تضبط عمل مدير العقارات لتجعله يفكر فيما أبعد من ذلك كإطالة العمر الإفتراضي وتقليل الإهلاك والعمل على إيجاد قيماً إضافية للعقار.

مهنٌ عقارية أخرى تحتاج لتنظيم أكثر روعة ومراقبة أكثر فعالية ليمنع الاجتهاد الذي أضرنا كثيراً في فترات سابقة وأظن أن الضرر ربما يكون أكثر عدداً وأكبر حجماً وأقوى تأثيراً في المستقبل إذا لم نتدارك الأمر ونعمل على إيجاد مرجعية للسوق الثاني حجماً وتأثيراً في اقتصاد بلادنا وسمها ما شئت هيئة، وزارة، رئاسة، مجلس، لجنة عليا . المهم جهة تدرس وتنظم وتخطط وتراقب وتراجع. هذا هو الأهم ، وما جعلني أكتب ذلك هي الفجوة المهنية التي أراها في السوق العقاري والذي يحترق عليها كل مواطن، يحب أن يرتقي هذا السوق، ليرقى برقيه مجتمعنا السعودي النبيل، فلعل هذا المقال يجد فارساً يحمل لوائه لنراه واقعاً في حياتنا العقارية.