مطب صندوق الاستثمارات

06/06/2016 11
فواز حمد الفواز

تفاجأ الجميع باستثمار من حيث الحجم والاختلاف النوعي مع ضعف التكامل مع اقتصاد المملكة في الاستثمار في شركة " يوبر" - تطبيق شبكي يمكن الناس من توظيف سياراتهم الخاصة للتأجير كبديل لخدمات "التاكسي " في 400 مدينة حول العالم .

جاء هذا الاستثمار تماشيا مع ما ذكر في " الرؤية" من الاهتمام بالاستثمارات و تأسيس صندوق سيادي تصل استثماراته الى  نحو 2 ترليون دولار .

قرار استثمار 3.4  بليون دولار في شركه لاتزال تسجل خسائر وتحتاج أموال كثيرة للاستثمار الرأسمالي وسد الفجوة في التدفقات النقدية في مجال عمل جديد يمر بجدل وحتى معارضة ومنافسة في دول كثيرة يتطلب مراجعة وتمحيص على اكثر من مساحة. 

مراجعة استثمار من هذا النوع و الحجم والمرحلة يحتاج الغوص في ثلاث مساحات مختلفة, المساحة الاولى استراتيجية - بمعنى مدى صلاحية هذا النوع من الاستثمارات للمملكة في هذه المرحلة, المساحة الثانية تدور حول طبيعة هذا الاستثمار من حيث العوائد والمخاطر أما المساحة الثالثة حول طبيعة صنع القرار والربط مع "الرؤية ". نراجع هذه المساحات تباعا .

المملكة بلد نامي يحاول تلمس نموذج جديد من خلال الرؤية للخروج من نفق التأخر التنموي والصعوبات الاقتصادية وعجز مالي ولكنه على العموم في وضع مريح قياسا على دول المنطقه ودول الاوبك الاخرى، هناك ما يبرر السرعة ولكن ليس للتسرع في قرارات مكلفة . هذا الاستثمار كبير بأي مقياس خاصة في شركة من هذا النوع و في هذة المرحلة من تطورها .

حتى شركه ابل استثمرت مبلغ بليون دولار في شركه صينية منافسة  مشاركة مع " علي بابا " لغرض في الاساس استراتيجي : دخول السوق الصيني لبناء علاقه مع الصين لترويج منتجاتها .

هذا الغرض لم يتوفر للصندوق من خلال الاستثمار في " يوبر" .

الاحرى ان تكون استثمارات الصندوق الداخلية و الخارجية  في تكامل مع محاولة المملكة في التحول الاقتصادي وخاصة في النقل و التعميق التقني وخاصة في الطاقه وخدمات الصناعة النفطية والحاسوبية ، بل لعل من قائل ان خدمات " التاكسي " في المملكة مرشحه لمواصلة التوطين وليس السماح ليوبر بالعمل في المملكة لحماية السوق والمواطن، بل من الممكن تفهم دعم والاستثمار في " يوبر " سعودية او إقليمية بمبالغ لا تصل الى 5% من حجم هذا الاستثمار .

لا ارى اي تكامل مع اقتصاد المملكه او التاسيس لنواة صندوق استثماري في بداياته وتقيدا بالممارسات التقليدية كالصندوق النرويجي على سبيل المثال .

الهروب الى الامام ليس استراتيجية . استثمار جزء مهم من أموال المملكة في استثمار - مضاربي من هذا النوع والحجم لا يتناسب مع الاهداف العامة او تعظيم المصلحة الاقتصادية خاصة ان المملكة في حالة عجز مالي وتقترض  . حسابات الربح و الخسارة في فضاء اخر.

الاستثمار في "يوبر" وخاصة بالوعد في إدراجها  للعامة في مرحلة قادمة قد يكون واعد ماليا ولكن يصعب ان يكون  بدرجه نجاح " قوقل " او فيس بوك " لأسباب موضوعية حيث ان ربحية هذا النموذج تعتمد في الاساس على هامش ربح خدمات التاكسي وهذة ليست عالية وتخضع للمنافسة المحلية  بما تحمل من اختلاف كبير في الانظمة و حتى المعارضة مثل ما حدث في باريس والصين ودول اخرى .

يقولو بيوسوز مؤسس ورئيس امزون في تعليق على شركات التجزئة ان ربحه ياتي في الهجوم على هوامش أرباحهم، لذلك سنجد شركة من هذا النوع تحت ضغط مستمر مما يفسر نمو المبيعات والحاجة المستمرة لزيادة الاستثمارات الرأسمالية والفجوة في التدفقات النقدية بالرغم من عملها سنوات ووصولها الى 400 مدينة في العالم . لذلك هناك مخاطر في نظري لا تتماشى مع الربحية المأمولة .

كما ان هناك فرق جوهري بين الرهان على صلاحية النموذج التجاري واستمرار ربحيته وبين المراهنة على طرح عام في امل للحصول على ربح سهل وسريع .

هذا قد يناسب رجل اعمال او حتى صندوق تحوط و لكنه غير مناسب لإدارة جزء من استثمارات عامة .

كما ان هناك توجس من حاله سوق الأسهم الامريكي عامة حيث ان تقييمه ليس رخيصا قياسا على الماضي.

لكل استثمار او حتى مضاربة مكان وحجم معين في الخارطة الاستثمارية ولكن الاستراتيجية وآلية صنع القرار هي المرجعية قبل حسابات الربح و الخسارة قياسا على درجة المخاطرة المقبولة وتسعيرها . 

اعتاد الوسط الاستثماري على نوعين من الاستثمار ، الاول الاستثمارات الداخلية حت مظلة صندوق الاستثمارات العامة والتي أخذت زخما مؤثرا في بناء القاعدة الصناعية والخدمية في المملكة تحت ادارة المحنك محمد ابالخيل وادارة القدير سليمان المنديل، بعدها أخذ الصندوق بسياسات هادئة ولكنها في الغالب قليلة التفاعل وحتى السطوة الادارية على ما هو قائم ، فغالبا لم يتصرف الصندوق كمستثمر فاعل .

غلب الطابع البيروقراطي المحدود الفعالية .

بعد نقد متواصل و خاصه المطالبة بصندوق سيادي من قبل بعض الكتاب و مجلس الشورى قامت وزارة المالية بتأسيس " سنابل " برأسمال 25 بليون ريال ولكن الحجم صغير وكانت أيضاً بطيئة  في العمل وغير واضح  السياسة في الجانب الدولي.

ولد وكأنه تنازل من المالية اكثر من انه توجه استثماري عميق, كما دللت تجربة شركة تطوير التعليم .

عل هذا التباطؤ ساهم في التعجل في الاستثمار في يوبر . النوع الاخر كان دائماً تحت مظلة مؤسسة النقد حيث عملت لفترة في ادارة الرصيد .

هذا النوع محافظ لأسباب موضوعية لعلاقته مع السياسة النقدية والصرف ودرجة من المؤاومة مع الميزانية في ظل تذبذب اسعار النفط .

ولكن المحافظة لم تمنعه من التنويع او ارتقاء سلم المخاطر بحذر.

أتى الاستثمار في يوبر و كانه يكسر الحاجز بين النوعين ولذلك استحق التعليق والحذر.

نوهت الرؤية بالاهتمام في الاستثمار وتأسيس الصندوق السيادي  و لكن الاستفتاح باستثمار من هذا النوع والحجم  يصعب تفسيره او تصنيفه تحت ما هو معتاد.

فليس استثمار محافظ وليس محدود لغرض التجربة والتعلم داخليا وليس له تكامل مع احتياجات المملكة الفنية و العلمية .

التعجل تحت مبرر الفرصة عدو الادارة الاستثمارية الكفؤ التي تراهن على اداء متوازن في المدى البعيد.

مراجعة هذه المساحات تقود الى ان الصندوق استعجل بالمضاربة في يوبر وحتى لو حقق أرباح، فهذا لن يعفي من مراجعة سريعة و تواجد خبرات استثمارية واقتصادية تمزج بين الحالة الاقتصادية واستحقاقاتها التكاملية من جهة ومن المهارات الاستثمارية وسلامة مرجعياتها.

يبدو ان الصندوق خضع لإغراء الكفاءة الأمريكية في الترويج  من قبل استشاريين  من الخارج وكما يقال فتش عن المصلحة، فجلب أموال لهذا الغرض والحجم يتضمن عمولة تصل الى 6% من حجم الاستثمار أحيانا، ما يعادل حوالي 200 مليون ، لعل هذا المبلغ المناسب للاستثمار او المضاربة في هذة الشركة كحد اقصى.