مواطن يحرق شهادته

19/05/2016 5
م. برجس حمود البرجس

يجب أن نعي أن السبب في عدم توظيف طبيب الأسنان ليس المعدل، فكيف بمعدله أن يجيز له علاج مواطن في مستشفى خاص ولا يجيز له علاج مواطن في مستشفى حكومي؟

أحرق مواطن شهادته قبل أيام أمام مبنى وزارة الخدمة المدنية بعد يأس من البحث عن وظيفة حكومية لمدة سنتين، ربما كانت هناك أسباب لعدم توظيفه إما لمعدله أو لتوثيق شهادته أو غيرها، ولكن تفاعل الشارع السعودي مع الحالة كان لمعرفة أن التوظيف والوظائف بشكل عام في المملكة تواجه صعوبات بلغت ذروتها، فالامتعاض مبرر، ولم يعد أحد منا يثق بمخرجات سوق العمل في القطاع الحكومي والخاص. 

وعلى العكس، كان هناك من يلتمس العذر لعدم توظيفه وأيده البعض، ولكن هذه ردة فعل لعدم تقبل الحالة خوفا من تداعياتها وتكرارها، أيضا كان البعض يرى أن المعدل المتدني سبب كاف لعدم التوظيف. الخدمة المدنية بررت بمبررات تؤكد يقيننا أن المنظومة غير قادرة على العطاء وغير قادرة على التفكير خارج الصندوق، فتعامل الكثير مع الحالة وكأنها "حالة فريدة" ولم يتعاملوا معها على أنها ظاهرة ستزداد، إذا كان المعدل سبب الرفض فإن "الخدمة المدنية" وكأنها تطلب من الذين تقديراتهم "جيد" و"جيد جدا" و"ممتاز" بأن يحرقوا شهاداتهم، وطبعا هذا خطأ كبير ولا نؤيده.

اعتذر الشاب عن حرقه الشهادة، وكان هذا تصرفا حسنا منه، ولكنه أحرج وزارة الخدمة المدنية التي ستعاني كثيرا مع حالات مشابهة، ولكي نلتمس لها العذر فقد ذكرت أنه رفض وظيفة في نجران، وهي مدينة تبعد كثيرا عن مسكن عائلته.

لدينا عدة تساؤلات مع أننا نعلم أن الوزارة ليس لديها ما تقدمه، وكذلك الوزارة المعنية وزارة الصحة ووزارة التعليم والوزارات الأخرى في حالات مشابهة، سنطرح هذه التساؤلات، لكن الوزارة يجب أن تستعد لحالات مشابهة للطبيب والمهندس والمعلم والفني الصحي وغيرها. وزارة الخدمة المدنية قد لا ترى نفسها مسؤولة عن التوظيف، هذا يجعل منها فقط مكتب توظيف، وإن كان الأولى أن تتطور مهامها وتجعل لها دورا رئيسيا في توازن طلب الوزارات وطالبي العمل.

إذا كان سبب رفض الشاب هو معدله أو الجامعة التي تخرج منها، فهل عرض وظيفة في مدن وقرى أخرى يسمح بالتنازل عن شرط المعدل أو توثيق الجامعة؟ هل سيكون عمله في نجران يتطلب معدلا أقل من عمله في الرياض مثلا؟ أليس عمله علاج "مرضى" هنا وهناك؟

رُفض الشاب ولم يحصل على وظيفة في الرياض (مثلا)، وإن كان السبب عدم وجود وظيفة شاغرة فهناك مصيبة، وإن كان المعدل هو السبب فالمصيبة أكبر، إلا إذا كان يمنع أيضا من العمل في القطاع الخاص. يجب أن نعي أنه سيسمح له بالعمل في القطاع الخاص وكأنه سيعالج "مرضى" يختلفون عن "المرضى" الذين سيعالجهم في المستشفيات الحكومية، يجب أن نعي أن السبب ليس المعدل، أو علاج مريض في قرية، فكيف بمعدله أن يجيز له علاج مواطن في مستشفى خاص ولا يجيز له علاج مواطن في مستشفى حكومي؟

هذا موقف غير مطمئن، ويذكرني بوزارة الخدمة المدنية عندما رفضت توظيف معلمين ومعلمات خريجي تربية وغيرها في المدارس الحكومية، واعتذرت عن توظيفهم بسبب عدم اجتياز اختبارات قياس وكفاءات وجدارة، ولكن وزارة العمل تقبل توظيفهم في المدارس الخاصة، وكأن الطلبة هنا يختلفون عن الطلبة هناك، بل إن الوزارة كانت تدفع نصف راتب أحدهم، فالهدف في الخدمة المدنية هو خفض أعداد التوظيف، بينما الهدف في وزارة العمل هو زيادة عدد التوظيف وخفض نسبة البطالة، ولكن الخدمة المدنية تستخدم اختبارات قياس وكفاءات وجدارة، وهذا يساعدها في عدم التوظيف.

يعمل بالمملكة 14 ألف طبيب أسنان، منهم أكثر من 50% من الأطباء والطبيبات غير سعوديين، فبعد شكرهم على المساهمة في تقديم الخدمة لسنوات في المملكة، أليس من الأفضل إحلالهم بسعوديين؟ ولا نقصد هنا إحلال استشاري غير سعودي بخريج سعودي جديد، ولا نطالب بتعيين شخص ليست لديه كفاءة، ولكن هناك آلية للتعامل مع هذا الوضع. لم أكن أرغب في هذا السؤال لأني أعتقد أن هناك طلبا على توظيف جديد مع إبقاء الحاليين، فعدد الأطباء الحاليين -أسنان وغيرها- نصف العدد المطلوب، ولذلك يتأخر العلاج.

نأتي إلى النقطة الأخيرة وهي الأهم، يجب علينا أن ندرك أن هؤلاء الباحثين عن العمل استثمرت بهم الدولة، صرفت عليهم الملايين منذ الصغر، علاج وتعليم وغيره حتى تخرجوا، وقد تكون هناك نواقص للقيام بالعمل على أكمل وجه، ولكن التحدي كيف نستطيع احتواء هؤلاء وتأهيلهم ببرامج قصيرة وربما تشغيلهم في أعمال متعلقة بالتخصص ولكنها ليست مباشرة. قبل أن يكونوا عبئا على الدولة، هؤلاء أبناء وبنات للدولة، ويجب علينا وضع برامج خاصة لهم لكي نقطف ثمارهم، فالبلد بحاجة لأن تستعيد الاستثمارات التي وضعتها في الطلبة والطالبات. ليس من المعقول أن نهمل خريجين وخريجات تربية وغيرها وتخصصات طبية وصحية بمجرد أن لدينا عذرا، فلو كنا نتحدث لهم باسم الدولة فلن نتركهم بلا وظائف، فالدولة ستعاني خطر البطالة والوظائف المتدنية. 

نقلا عن الوطن