الكويت ومعارك زيادة التعرفات

05/05/2016 0
عامر ذياب التميمي

لم تتمكن حكومة الكويت من تمرير مشروع قانون لرفع تعرفة استخدام الكهرباء والمياه في مجلس الأمة الشهر الماضي. كان مشروع الحكومة شاملاً لكل الاستخدامات، أي السكن الخاص والسكن الاستثماري والصناعي والزراعي والتجاري.

وهذبت معدلات التعرفة اللجنة المالية في مجلس الأمة قبل طرح المشروع على جلسة عامة للمجلس. لكن بعد تعديلات اللجنة المالية قررت غالبية الأعضاء الحاضرين استثناء منازل الكويتيين من أي زيادة في تعرفة الكهرباء أو تعرفة المياه.

ويمثل قطاع السكن الخاص، وفق تصريحات المسؤولين في وزارة الكهرباء والماء، 40 في المئة من استهلاك الكهرباء و43 في المئة من استهلاك المياه.

وحدد المسؤولون الهدف من رفع تعرفة الكهرباء والمياه بأنه ليس جني أموال لزيادة الإيرادات غير النفطية للخزينة العامة، على رغم أهمية ذلك الهدف، بل بترشيد الاستهلاك وتمكين الوزارة من مواجهة متطلبات التوسع في الاستهلاك خلال السنوات المقبلة.

لا شك في أن التوسع الأفقي للمباني السكنية في البلاد أرهق الإمكانات المالية المخصصة لتطوير البنية التحتية والمرافق، بما فيها تمديدات الكهرباء والمياه.

يضاف إلى ذلك ان التوسعات حتمت إنشاء محطات توليد طاقة كهربائية ومحطات لتحلية المياه. كذلك لا تزال هذه المحطات تستخدم زيت الوقود لتوليد الطاقة، ما يعني تخصيص جزء من إنتاج النفط لمواجهة متطلبات الكهرباء، ويُقدَّر هذا الجزء بـ 300 ألف برميل يومياً أي بحدود 10 في المئة من إنتاج النفط الخام في البلاد.

تشير مصادر وزارة الكهرباء والماء إلى ان كلفة إنتاج الكيلوات من الكهرباء في الكويت تراوح بين 35 و40 فلساً، (12 سنتاً). وسُعِّرت تعرفة الكيلووات بفلسين لغالبية القطاعات بما في ذلك قطاع السكن الخاص. وهذه التعرفة معتمدة منذ 1966 ولم تتغير على رغم التغيرات ذات الصلة، بما في ذلك ارتفاع سعر النفط الخام الذي كان آنذاك يساوي دولارين للبرميل.

ويُعتبَر استهلاك الفرد في الكويت بين الأعلى على مستوى العالم إذ يُقدَّر بـ 15 ألف كيلووات سنوياً، أي أن استهلاك الفرد في الكويت يكلفه 30 ديناراً في حين يكلف الإنتاج لهذا الاستهلاك الدولة 525 ديناراً. ولذلك فإن ما يجري تحصيله من المستهلكين لا يمثل سوى نسبة متواضعة من التكاليف، إذ تتحمل الدولة دعم ذلك الاستهلاك.

ونظراً إلى النمط المعيشي وحجم المساكن الخاصة في البلاد فإن الاستهلاك لن يخضع إلى السيطرة من دون إشعار المستهلكين بكلفة ذلك الاستهلاك غير الرشيد. وهذا لن يتحقق بالوعظ بل يتطلب رفع سعر التعرفة. هناك بطبيعة الحال مسؤولية تقع على عاتق الدولة التي لم تطور لنصف قرن سياسات أكثر واقعية في مسائل الدعم والأعباء الاجتماعية.

يطرح مختصون اجتماعيون مسألة ردود الفعل المتوقعة من أفراد المجتمع، ويذكرون أن تلك الردود تبدو طبيعية ومشروعة، بعد مرور هذا الزمن الطويل من اتباع سياسات الدعم السخي إذ بات المواطنون يعتبرون ان ما يحصلون عليه من دعم أصبح من الحقوق المكتسبة التي لا يمكن التفريط بها.

لذلك يتهيب المشرعون أي فلسفات اقتصادية أو سياسات مالية تؤدي إلى رفع التكاليف المعيشية على المواطنين خوفاً من ردود فعل الناخبين، خصوصاً ان سنة فقط باقية على عمر مجلس الأمة وهناك انتخابات مقبلة، ربما قبل منتصف العام المقبل.

يضاف إلى ذلك ان الحكومة لم تتمكن من الإعداد لهذه الإصلاحات في شكل جيد فلم تسوقها إعلامياً بما يمكن من الإقناع، ولم تطرح جداول توضيحية تبين مستويات الاستهلاك وكلفتها الراهنة ومقارنتها بما ستؤول إليه وحجم ونسبة الزيادة على المستهلكين.

وثمة قبول لرفع التعرفة على القطاعات الأخرى مثل المباني التجارية والمصانع والمزارع وكذلك مباني السكن الاستثماري التي يقطنها الوافدون غير الكويتيين. لكن البعض يرون ان تلك الزيادات ستؤدي إلى رفع تكاليف المعيشة في أشكال غير مباشرة إذ سترتفع تكاليف السلع والخدمات نتيجة لارتفاع كلفة الطاقة الكهربائية والمياه.

وهناك من يرى أن المطلوب معالجات إبداعية مثل استخدام بدائل لإنتاج الطاقة مثل الطاقة الشمسية والغاز وغير ذلك من بدائل تؤمّن طاقة نظيفة وموائمة للبيئة النظيفة.

وثمة من يطرح إمكانات خفض تكاليف الإنتاج إذ يرى عدم كفاءة الحكومة في الإنتاج ويرى تحويل المرافق للقطاع الخاص وتعزيز المنافسة بين الشركات المتخصصة، والتي قد تعمد إلى المشاركة مع شركات عالمية متخصصة. ويجيب المسؤولون بأنهم بدأوا باتخاذ خطوات بهذا الاتجاه لتأمين فرص للقطاع الخاص لإنتاج الطاقة الكهربائية وفق شروط فنية ملائمة، فيما الشراكات في المرافق بين القطاع الخاص والقطاع العام آخذة بالتبلور.

التحديات التي تواجه الحكومة في هذا المضمار ربما تؤدي إلى تطوير نماذج جديدة لإنتاج الطاقة الكهربائية وتحلية المياه وقد تساعد في تعزيز فرص ولوج القطاع الخاص في هذه الأعمال.

وربما تساهم الأوضاع الاقتصادية في إعادة النظر بالأنماط السكنية في البلاد وترشد متطلبات المساحة ونوعية السكن. وربما تدفع هذه الطروح إلى تبني استخدام أجهزة ذكية وأساليب بناء تخفف من الحرارة المكتسبة في المباني بما يقلل من متطلبات التبريد الذي يمثل جزءاً مهماً من استهلاك الكهرباء في بلد يمر سنوياً بصيف طويل وحار.

بيد أن معركة تحديد التعرفة ستأخذ وقتاً طويلاً قبل حسمها والتوافق على إستراتيجيات جديدة في شأن الكهرباء والماء.

نقلا عن الحياة