لماذا تبدو أسواق العملة متقلبة الأطوار؟

05/05/2016 0
محمد عبد الله العريان

في العام الماضي، حثت بعض الأصوات المؤثرة الاحتياطي الفيدرالي على عدم رفع أسعار الفائدة خوفا من أن ذلك من شأنه إبطاء النمو العالمي وإثارة الاضطرابات المالية.

استمع مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي بكل أدب، ومن ثم قام البنك برفع أسعار الفائدة في ديسمبر وبعد ذلك توقف مؤقتا.

نظرا للتطورات الأخيرة في أسواق العملات الأجنبية، ربما تكون بعض تلك الأصوات تتساءل الآن عما إذا كان ينبغي على الاحتياطي الفيدرالي استئناف زيادات الأسعار لديه.

عملية التفكير التي تبدو غير متناسقة هي علامة على الظروف غير المواتية التي انبثقت عن السعي لفترة طويلة وراء مزيج سياسات اقتصادية غير متوازنة إلى حد كبير من قبل اقتصادات العالم الأكثر أهمية من حيث سلامة النظام المالي العالمي.

تشمل هذه الشروط الثلاثية تشكيلا لأسعار الصرف في الاقتصادات المتقدمة يبدو بأنه لم يعد يستجيب «بشكل طبيعي» للفروق في أسعار الفائدة، وتدابير سياسات جزئية يتضاءل أثرها مقارنة مع الآثار التي يمكن أن تنتج عن اتباع نهج أكثر شمولا، ومخاطر متزايدة من انتقال موجات عدم الاستقرار داخل الأسواق المالية العالمية.

في الاقتصادات العاملة بشكل طبيعي، قد يساعد الارتفاع في أسعار الفائدة على إبطاء الاقتصاد عن طريق جعل الاستهلاك المدفوع بالاقتراض، والاستثمار، أكثر كلفة. كما أن من شأنه أن يترك أثرا متزامنا على تدفقات الأموال عبر الحدود، ما يعمل على اجتذاب تدفقات داخلة أعلى في الوقت الذي يسعى فيه المستثمرون نحو تحقيق العائدات المالية الأكبر.

ارتفاع قيمة العملة الناتج عن ذلك، على افتراض أنها معومة بشكل نظيف نسبيا، من شأنه أن يجعل الصادرات أقل قدرة على التنافس أيضا، ما يضيف إلى التباطؤ الاقتصادي.

قبل اجتماع السياسة الذي عقده الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر، أبدى البعض - بمن فيهم صندوق النقد الدولي - قلقه من أن الارتفاع في أسعار الفائدة من قبل أهم بنك مركزي في العالم ربما يعطل الاقتصاد العالمي، الذي لم يتمكن حتى ذلك الحين من إرساء قاعدة مالية واقتصادية ثابتة بما فيه الكفاية.

رغم أن أولئك الخبراء اعترفوا بأن الولايات المتحدة هي في أفضل وضع بين الاقتصادات المتقدمة من حيث النمو وخلق فرص العمل، إلا أنهم أعربوا عن مخاوفهم بأن رفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي يمكن أن يمتص رأس المال من البلدان الناشئة، ما يؤدي إلى تباطؤ أكثر عمومية في النمو ومخاطر من عدم الاستقرار المالي العالمي.

بدت التطورات التي حصلت في يناير ومطلع فبراير على أنها تؤكد على تلك المخاوف، رغم أن الذعر من النمو الصيني ربما كان له تأثير أكبر بكثير على الأسواق من قرار السياسة النقدية الذي اتخذه الاحتياطي الفيدرالي.

على الأقل ورقيا، تم التعويض الوافي عن الخطوة الصغيرة التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي والمتمثلة في تشديد السياسات النقدية من خلال تخفيف السياسة النقدية الذي تلا ذلك من قبل 3 بنوك مركزية أخرى مهمة من حيث سلامة النظام المالي العالمي - وهي الصين ومنطقة اليورو واليابان.

بعد نشرها مزيجا من أسعار الفائدة المنخفضة، بما في ذلك الأسعار السلبية في أوروبا واليابان، وعمليات شراء أصول متصاعدة، بذلت البنوك الثلاثة جهودا شجاعة لتحفيز الطلب، سواء بشكل مباشر أو عن طريق محاولة تخفيض قيمة العملة لديها.

بعد مرور بضعة أشهر، كان الأثر المترتب على العملات العالمية مخالفا للتوقعات الحدسية، وكانت نتائجه عكسية بالنسبة لإعادة التوازن العالمي. بدلا من تخفيض قيمة العملة، ارتفعت قيمة اليورو والين بشكل ملحوظ مقابل الدولار، ما يضيف إلى الجوانب العكسية المتعلقة بالنمو والتضخم.

في الأسبوع الماضي، أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية خمسة بلدان، بما فيها الصين واليابان وألمانيا، على قائمة المراقبة. وسيجري مراقبة ورصد ممارساتها المتعلقة بالعملات الأجنبية عن كثب لتحديد ما إذا كانت تحصل على ميزة تجارية غير عادلة.

لذلك، ما الذي يفسر أسواق العملات الأجنبية المذكورة والمقلوبة رأسا على عقب؟

كما قلت سابقا، وراء نقطة معينة، يمكن أن تفقد الفروق في أسعار الفائدة فعاليتها في دفع أسعار الصرف. وحتى إن لم تكن هذه هي الحال، فإن الأثر المرجو على النمو يمكن أن يتعرض للإحباط بسبب المشاكل الأكثر انتشارا، وهي محركات النمو الهيكلي غير الكافية، وأوجه القصور في الطلب الكلي، وعدم المساواة التي تنذر بالخطر، وجيوب المديونية المفرطة.

وهذا يعد سببا آخر للتحذير من استمرار الاعتماد على ما ثبت بأنه موقف سياسات اقتصادية غير متوازنة إلى حد كبير.

كلما طال استمرار اعتماد البلدان المهمة المفرط على البنوك المركزية - وفشلها في التوجه نحو استجابة أكثر شمولا في السياسة النقدية - زاد خطر أن يتحمل الاقتصاد العالمي تكاليف تقلبات العملة في الوقت الذي يحصل فيه على القليل من فوائد تحركات أسعار الفائدة المرجوة، هذا إن حصل على أية فائدة أصلا.

في أثناء ذلك، يمكن أن تصبح تحركات العملة حتى أكثر مخالفة للحس البديهي.

نقلا عن اليوم