معايير القيادة (3/2)

27/04/2016 1
آن بنت سعيد الكندي

فن القدرة على سبر أغوار الآخرين ومعرفة الدوافع التي تحركهم فنٌ يتقنه من يمتلك الذكاء العاطفي Emotional Intelligence .

وهو فن قيادي بامتياز، ويمكن اختصار تعريف الذكاء العاطفي بالقدرة على التحكم بالعواطف،إلا أن ذلك يتطلب مهارات عديدة وتمّرسا يكسب القائد القدرة على الإنصات وتقييم الشخصيات بنظرة ثاقبة متأنية لاختيار الأنسب لمهام محددة . وكم من الأخطاء التي تكرر نفسها مكاناً وزماناً عندما يكون اختيار الشخصيات للمناصب القيادية غير موفق؟!

وفي مشهد شبيه من فليم المصارع Gladiator حين شاءت الأقدار أن ينجو قائد الجيش الروماني ماكسموس فيلتقطه المارة ليباع بثمن بخس في سوق النخاسة ليصبح مصارعا في حلبة التسلية.

كم كان مثيرا للسخرية أن هذا المصارع الذي يمتع المتفرجين في حلبة المصارعة بالتفنن في طرق قتل المصارعين، والناس تظن أنه مصارع متفوق على باقي المتصارعين لم يخطر ببالهم انه خَبِرَ ساحات الوغى قائدا لأعظم الجيوش في ذلك الوقت وانه قاد جيشه من نصر إلى آخر، فالتقليل من قدرات الآخرين خطأ استراتيجي فادح.

ذاع صيت المصارع ماكسموس فأخذه سيده إلى حلبة الكوليسيوم فقد أعد الإمبراطور الابن عروضا لمسابقات المصارعين احتفالا بذكرى والده .

دخلت عربات مسننة تحيط بهم من كل الجهات في هذا يقول سن تزو: “حين لا يوجد مهرب من الموت سيستبسل الجنود بكل ما لديهم من قوة، ففي مواجهة القدر المحتوم لا يوجد شيء يخيفهم، وحيث لا يوجد مفر سيقفون بجانب بعضهم البعض”.

استغل القائد المصارع هذا المبدأ الحربي، فأصدر أوامره التي أُطيعت فورا رغم انه ليس قائدا للجيش بل مصارعا مثلهم.

حدد علم القيادة الحديث هذا النوع من القيادة بالظرفية Situational leadership فهذا النوع إن عكست ترجمته الحرفية عمق المعنى فهي تعني أن يختار القائد نوع القيادة المناسب حسب الظروف المحيطة، مما يتطلب مرونة عالية تتعدى القدرة على التأقلم بل التأثير في الوضع القائم.

في مشهد لا يتعدى أربع دقائق في فليم المصارع جسد القائد المصارع هذا النوع من القيادة في تأثير كاريزمي متقن عندما رآه زملاؤه المصارعون كيف يقتل بلا رحمة ولا خوف فاصبحوا مثله لا شيء يخفيهم ولا شيء يوقفهم عن النصر.

الصفات القيادية تبرز وقت الأزمات، فمن يمتلك القدرة القيادية لا ينتظر المنصب لإحداث تغيير إيجابي في حياة الناس.

قضى المصارع القائد هو وزملاؤه المصارعون على جميع من في الحلبة، عبر تنفيذ استراتيجية اتخاذ وضعية الدفاع. يقول سن تزو“المرء يتخذ وضع الدفاع حينما لا تكون القوة كافية، ويهجم حين يتوافر فيض منها”. لا يكفي أن يعرف القائد استراتيجية النصر ينبغي أن يكون قادرا على تنفيذها.

يكون ذلك قبل كل شيء عبر امتلاك القائد القدرة على قراءة الواقع، واستغلال الفروق التكتيكية في القوة للحصول على النصر.

ولا تكتمل الصفات القيادية إلا بامتلاك الجرأة والمخاطرة وهوما شدد عليه علم القيادة الحديث حيث حدد متطلبات القائد الناجح في عالم المال بأن يتصف بالمخاطر غير المتقوقع على نفسه.

جسد المصارع دور القائد بجدارة فكان يقود من الأمام ولا يملي أوامره من الخلف. عندما كان قائدا للجيش تراه في معمعة الميدان كذلك الرئيس التنفيذي الناجح دائما تراه في الميدان ليس فقط ليكون قدوة، وإنما العمل الميداني يمّكن القائد من فهم طبيعة التحديات التي تواجه العمل للخروج بحلول واقعية.

اختيار الشخصية المناسبة لمهمة محددة تمثل تحديا كبيرا في ظل التغيير المتسارع لمتطلبات سوق العمل، فلم تعد المقدرة الفنية المتراكمة فقط عاملا حاسما في الاختيار مثل السابق، فما هي الصفات القيادية المطلوبة اليوم التي فرضتها نوعية المهام الجديدة؟ وما معايير الاختيار؟.

للحديث بقية….

ملاحظة: المقتطفات الواردة في المقال هي من الكتاب الصيني فن الحرب ترجمة ناصر الكندي الصادر عن مؤسسة الرؤيا للصحافة والنشر.