دروس من تجربة اليابان مع أسعار الفائدة السلبية

17/04/2016 1
محمد عبد الله العريان

كان يعتقد في الماضي أنه ليست هناك أهمية تذكر للضيق الاقتصادي والمالي في اليابان بالنسبة للاقتصادات المتقدمة الأخرى.

حتى ان اقتصاديين غربيين وصناع سياسة محترمين جادلوا بأن «ما حدث في اليابان لا يمكن أن يحدث معنا».

ولكن أدت التطورات في السنوات الأخيرة إلى اتخاذ موقف أكثر تواضعا يعترف بأهمية فهم تجربة اليابان في الماضي والحاضر.

فيما يلي نسرد خمسة من الأفكار المهمة:

ليس من السهل الانطلاق بشكل حاسم من ركود في النمو يرتبط مع انفجار فقاعة مالية.

فكلما طال بقاء الاقتصاد في نظام نمو منخفض، تقوم الرياح المعاكسة الهيكلية الأكبر بإعاقة الإقلاع الاقتصادي. هذا لا يؤثر فقط على مسار النمو الحالي، لكن على الإمكانات المستقبلية أيضا.

في أوائل العقد الماضي، كان هناك توافق في الآراء في الغرب بأن «العقد الضائع» في اليابان، الذي لم تحقق فيه النمو الاقتصادي، يُجمِع على أنه كان من الممكن تفاديه بسهولة لو أن صناع السياسة اليابانيين طبَّقوا المزيد من الإجراءات النقدية والمالية المحفزة في الوقت المناسب.

وعندما انزلق الغرب في ركود بعد الأزمة المالية العالمية، ساهم هذا الرأي في رغبة البنوك المركزية في أوروبا والولايات المتحدة باعتماد نهج «مهما تطلب الأمر».

لكن على الرغم من التدابير النقدية التي غير التقليدية التي لم تكن تخطر قط على بال البنك المركزي الأوروبي وبنك الاحتياطي الفيدرالي، لم تكن أوروبا ولا الولايات المتحدة قادرين على تحقيق سرعة الإفلات من الركود القادرة على تحقيق النمو.

منذ وقت ليس ببعيد، كان من غير المرجح للانكماش أن يكون على قائمة 10 مخاطر اقتصادية كبيرة على الدول الغربية.

ونتيجة لذلك، عدد قليل من الخبراء يعتقد أنه كان لدى هذه الاقتصادات أي شيء يمكن تعلمه من معركة اليابان التي استمرت عدة عقود مع هبوط الأسعار المتحقق، مما رسخ توقعات حدوث تضخم منخفض في المستقبل وما ينتج عنه من رياح عكسية للاستهلاك والاستثمار.

هذه الحال لم تعد كذلك. انخفاض الأسعار هو من بين أكثر الأشياء التي تشغل بال البنك المركزي الأوروبي، فضلا عن قوة الدفع المتكررة لتدابير تجريبية على نحو متزايد، بما في ذلك معدلات الفائدة الاسمية السلبية. يظهر الانكماش أيضا بين المخاطر التي يضعها مجلس الاحتياطي الفدرالي في الاعتبار، وإن كان بدرجة أقل.

على الرغم من أن أغلب البنوك المركزية لديها تساؤلات حول ما إذا كانت أسعار الفائدة المنخفضة بشكل مصطنع يمكن أن تحفز الإقراض المصرفي العالي ومد الاقتصاد بالقوة بشكل مستدام إلى الأمام، إلا أن معظمها يشعر بالثقة بأنهم يمكن أن يعتمدوا، مرارا وتكرارا، على «إعادة توازن المحافظ» كإجراء قصير الأجل - وهذا هو ما يدفع المستثمرين لمبادلة مقتنياتهم من السندات الحكومية «الآمنة» مع عوائد واهنة للأوراق المالية ذات المخاطر العالية.

قد يكون للزيادة الناجمة في أسعار الأصول تأثير مفيد هامشي على النمو، على الأقل حتى تتمكن استجابة السياسة الشاملة التي تشتد الحاجة إليها من توَلِّي الأمور من التدابير الاستثنائية من البنوك المركزية.

وتشير تجربة اليابان الآن إلى الحاجة إلى تعديلات أكبر باستمرار للتقييم الحذر بالفعل لفاعلية السياسات النقدية غير التقليدية.

خطوة بنك اليابان المفاجئة إلى مناطق سعر الفائدة السلبية قد تم ربطها بسلسلة من العواقب غير المقصودة التي تُعَقد رؤى النمو والاستقرار المالي في البلاد. ابتداء من أكثر الأسواق غير السائلة للسندات الحكومية إلى مؤشرات على أن الأسر تتحرر من النظام المالي، جنبا إلى جنب مع مزيد من التدقيق السياسي لإجراءات البنك المركزي، وتضخم الغضب الشعبي حول سياساته، هناك وعي متزايد بالأضرار الجانبية المحتملة.

وقد قدم هذا الإدراك عنصرا هاما من الحذر لفكرة أن البنوك المركزية يمكن أن تستمر في تحمل كثير من عبء السياسة، دون أن تؤدي هذه التدابير إلى نتائج عكسية.

معظم كتب الاقتصاد الجامعية تشير إلى أنه كلما زاد البنك المركزي الذي يعتبر مهما للنظام في السماح باتساع التفاوت في أسعار الفائدة مع البنوك المركزية الدولية الأخرى، يزاد التأثير على أسعار الصرف.

وإذا كان يقوم هذا البنك المركزي بتسهيل السياسة النقدية بشكل أكبر، ستنخفض عملته.

بعد أن قام بنك اليابان المركزي بجعل أسعار الفائدة سلبية، شهدت اليابان ارتفاعا كبيرا في قيمة الين بدلا من تناقص قيمته. هذا يدل على أنه ليس هناك حد لتأثير الفروق في أسعار الفائدة.

أهم درس من اليابان هو حاجة صناع السياسة للتحرك في وقت واحد على ما يسميه رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي «ثلاثة أسهم» - أي تسهيل السياسة النقدية (وهو ما يعني عمليا تخفيض أسعار الفائدة)، والإنفاق الحكومي، ورفع القيود التجارية.

السهمان الأول والثاني وحدهما، كما اكتشفت اليابان، لا يكفيان. العوائق الهيكلية للنمو أيضا يجب معالجتها، بما في ذلك الحواجز التي تعترض الدخول لبعض القطاعات والتي هي ذات مردود عكسي، والبنية التحتية التي تعاني من ضعف كبير، وضعف أداء أسواق العمل أو جيوب المديونية المفرطة.

خلاف ذلك، خيبات الأمل في السياسة ستكون القاعدة وليس الاستثناء، حتى في الوقت الذي تفقد فيه السياسة النقدية غير التقليدية ليس فقط فعاليتها ولكن أيضا المخاطر من أن تصبح ذات مردود عكسي.

نقلا عن اليوم