الرؤية الاقتصادية الجديدة ومرتكزاتها الثلاثة

05/04/2016 2
د. إحسان بوحليقة

في خطابه لافتتاح السنة الرابعة من الدورة السادسة لمجلس الشورى، حدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رؤيته في الإصلاح الاقتصادي، بأنها ترتكز على: (1) رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، و(2) الاستفادة من الموارد الاقتصادية و(3) زيادة عوائد الاستثمارات الحكومية.

وفيما يتصل بالمرتكز الأول للرؤية الملكية للإصلاح الاقتصادي (رفع كفاءة الانفاق)، فقد صدرت ميزانية العام المالي الحالي (2016) بضوابط محددة، منها: إنشاء وحدة للمالية العامة في وزارة المالية وتكليفها بالعمل على تحديد سقف للميزانية والالتزام بهذا السقف، والحد من تنامي المصروفات الجارية للحكومة والتي بلغت 450 مليار ريال، ورفع كفاءة الانفاق التشغيلي ويتضمن ترشيد نفقات الأجهزة الحكومية وتوظيف الاستخدام الأمثل للتقنية في تقديم الخدمات الحكومية وتطوير وتفعيل آليات الرقابة، ومن جانب آخر رفع كفاءة الانفاق الرأسمالي بمراجعة المشاريع الحكومية ونطاقها وأولوياتها لتراعي جودة وكفاءة التنفيذ، وتتوافق مع أولويات وتوجهات واحتياجات التنمية ومتطلبات المالية والتمويلية.

وعلى صلة، فقد أصدر مجلس الوزراء قراراً بإنشاء برنامج وطني لدعم إدارة المشروعات في الجهات العامة. إضافة لذلك مراجعة وتقييم الدعم الحكومي بما في ذلك: تعديل منظومة دعم المنتجات البترولية والمياه والكهرباء وإعادة تسعيرها مع مراعاة التدرج في التنفيذ خلال خمسة أعوام، بهدف تحقيق الكفاءة في استخدام الطاقة والمحافظة على الموارد الطبيعية ووقف الهدر والاستخدام غير الرشيد.

وفيما يتصل بالمرتكز الثاني (الاستفادة من الموارد الاقتصادية) فقد صدرت الميزانية العامة 2016 بتوجيهات لاتخاذ مجموعة سياسات وإجراءات لتحقيق إصلاحات هيكلية في الاقتصاد الوطني للتقليل من اعتماده على النفط، من بينها طرح مجموعة من القطاعات والنشاطات الاقتصادية للخصخصة، وتذليل العقبات التشريعية والتنظيمية والبيروقراطية أمام القطاع الخاص بما يؤدي إلى توليد فرص عمل ويوفر فرصاً للشراكة بين القطاعات المختلفة: العامة والخاصة وغير الربحية، ورفع القدرات التنافسية للاقتصاد الوطني وتكامله مع الاقتصاد العالمي.

وفي سياق المرتكز الثاني (الاستفادة من الموارد الاقتصادية) كذلك، تأتي إحدى المبادرات التي أعلن عنها بتأسيس صندوق سيادي استثماري (يستثمر أمواله في الملكية الخاصة بشراء حصص من شركات محلية وعالمية)، تودع فيه حصيلة خصخصة ملكيات الدولة، وعند تنامي أصوله إلى حدود 2 تريليون دولار، كما أُعلن عنه، وبافتراض عائد على الاستثمار قدره 5 بالمائة، فينتج عنه عائد في حدود 100 مليار دولار، وهو ما يغطي جزءاً مهماً من الانفاق العام للخزانة العامة للدولة.

وبالنسبة للمرتكز الثالث (زيادة عوائد الاستثمارات الحكومية) فقد نمت هذه العوائد –وفقاً للبيانات الرسمية- بنحو 80 بالمائة خلال العام 2015، من 21.9 مليار ريال إلى 37.0 مليار ريال.

أما الإيرادات غير النفطية، التي تمثل عوائد الاستثمار أحد عناصرها، فقد نمت خلال العام ذاته بنحو 29 بالمائة من 126.8مليار إلى 163.5 مليار.

وقد سبق أن بين سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مقابلته لمجلة "الاكونومست" النافذة في يناير 2016، أنه من المتوقع نمو الإيرادات غير النفطية خلال خمس سنوات لتصبح مائة مليار دولار (375مليار ريال)، وأكد ذلك مجدداً في مقابلة "بلمومبرج"، وأضاف ان هيكلية الإيرادات غير النفطية ستنمو بالتدريج حتى العام 2020 ليصبح قوامها: 10بالمائة ضريبة قيمة مضافة، 10 بالمائة رسوم برنامج الإقامة الدائمة، 10 بالمائة رسوم تجاوز حصص العمالة الوافدة، 30 بالمائة إصلاح الدعم، و40 بالمائة ناتجة عن معايير متنوعة أخرى.

مع تباشير تدفق النفط في الثلاثينيات من القرن الماضي كانت الأولوية هي لتنمية بلد شاسع المساحة من خلال إنشاء شبكات طرق وتوفير التعليم والرعاية الصحية ضمن أمور أخرى، وفي بداية السبعينيات برز توجه أكثر شمولاً، وثّقته الخطة الخمسية الأولى للتنمية، مرتكزة على أن التنمية المستدامة تتحقق بتنويع مصادر الدخل وزيادة فرص توظيف الموارد البشرية، واستمر هذا المطلب مستقراً ثابتاً حتى الآن.

ولابد من بيان أن الاقتصاد السعودي، وعلى الرغم من تقلبات إيرادات النفط وما حاق بمنطقة الخليج العربي من حروب وتحديات "سممت" بيئة الاستثمار، إلا أنه حقق معدل نمو سنوي في حدود 5 بالمائة للفترة 1970-2015، لكنه نمو لم يبرح معتمداً على النفط ولذا فقد شابه التذبذب هبوطاً وصعوداً، بما لا يوائم استقرار الاقتصاد. وهكذا، يمكن القول إننا أمام مرحلة لفك الارتباط بالنفط، ولا يعني هذا القطيعة بقدر ما يعني تنمية موارد أخرى إلى جانب النفط.

وهذا مطلبٌ صعبٌ مفعمٌ بالتحديات؛ فالمصادر الأخرى لن تأتينا بريعٍ يُستخرج من باطن الأرض، بل بأموال لابد أن تُكَدّ كداً، وتُنتج إنتاجاً، وليس الإنتاج كالريع! لعلنا أمام حقيقة الفطام عن النفط، أو لنقل التدرج في الفطام عنه، وهو تحول ليس باليسير في ظل اعتماد الخزانة على النفط لمدى تجاوز 70 عاماً، لكن يبدو أنه خيار ضروري لا يحتمل مزيد تأخير أو تباطؤ.

نقلا عن اليوم