التحول الاقتصادي السعودي "الرؤية : التحديات والأولويات"

24/03/2016 3
خالد محمد الداود

تحديات مشروع التحول الاقتصادي ( 1  ) من ( 2)

لاشك أن الحديث عن مشروع التحول الاقتصادي ملهم للكثير من السعوديين ممن أصيب بخيبة أمل من اقتصاد تغلب عليه الريعيه وضعف القيمة المضافة وردود الأفعال, خاصة وأننا نملك من الإمكانات والطاقات والمكامن مايؤهلنا لأداء اقتصادي أفضل, يرقى لمستوى تطلعات وطموح قياداتنا وأجيالنا الشابة. 

كما وأن ما يبعث على التفاؤل أن الحديث عن مشروع التحول الاقتصادي ليس مجرد ترف فكري عابر, بل وليد حاجة ملحة يمكن لقادتها ابتكار رؤية ملهمة يتفق الكثير على جاذبيتها, وتخلق قوة دافعة توّحد الكثير منا لإنجازها. 

من هذا المنطلق ورغبة في الطرح المثمر والمشاركة الإيجابية أورد في هذا المقال وجهه نظر شخصية من شخص مهتم بالهندسة والاقتصاد وممارس لمهنة تطوير الأعمال أكثر منه كاتب أو أكاديمي محترف, آملا أن يكون هذا المقال مساهمة تثري الموضوع من حيث الرؤية وما يرتبط بهذا  التحول الاقتصادي الوطني من تحديات وأولويات, مع تجنب لغة الأرقام والإحصاءات ما أمكن لضيق مساحة الطرح ورغبة في تحري الدقة عند الحديث عن مشاريع أو مؤشرات مالية محددة.

هل سينجح هذا المشروع ؟

عدد تجارب التحول الاقتصادي الغير ناجحة في العصر الحديث هي أكثر بكثير من التجارب الناجحة

بادئ ذي بدء يجب على صاحب القرار وقائد دفة هذا التغيير قبول حقيقة صعوبة وتعقيدات إدارة هذا المشروع, ووجوب توفير كل الدعم اللازم لتجنب  فشله. فنحن بصدد إدارة مشروع وطني متكامل للتغيير, يشمل الإنسان والتشريعات والأدوات والهياكل التنظيمية بما في ذلك التعامل مع الكثير من المعوقات المركَبة وطوفان من التحديات, منها ما مصدره المنهج القديم وما يمثله من ثقل هيكلي كبير ومجموعات مقاومة وضغط قادرة على تعطيل المسيرة وإفشال التغيير.

ومنها ماهو مرتبط بوجدان ومنظومة قيم وثقافة عمل يجب أن تزال قبل إحلال ما هو أفضل منها. ومنها ماهو مرتبط بقلة الموارد البشرية الماهرة والمؤهلة لإدارة التغيير وقيادة هذا المشروع الوطني الضخم والحاجة لإعداد هذه الموارد البشرية وتأهيلهم كشركاء للنجاح المأمول.

دور الاستشاريين وقيادة التغيير

صياغة الرؤية ووضع الأولويات هي أدوار قيادية وطنية أصيلة لايمكن للمؤسسات الاستشارية ولأسباب هيكلية أن تقوم بها بنجاح

ليسمح لي الجميع أن أدعي أن القليل فقط من قيادات التخطيط والتنفيذيين في مؤسسات هذه المنطقة من العالم سواء الحكومية منها أو الخاصة من يدرك دور المؤسسات الاستشارية في قيادة التغيير وكيفية الاستفادة المثلى من هذا الكم الرائع والمكّلف من الشركات الاستشارية العالمية.

وأقول وباختصار إن الشركات الاستشارية تملك من أدوات القياس والتحليل مايمكّنها من مساعده صاحب القرار على اتخاذ قراراته وتملك من المعلومات والتقارير والتجارب ماقد يفيد صاحب القرار في معرفة خياراته, ولكنها وبسب هيكلية وطرق عملها لا يمكن لها أن تصنع رؤية خلّاقه أو إستراتيجية مبدعه تتحدى بها التجارب المألوفة والبرامج النمطية.

وليتقبل الجميع حقيقة أن المشاريع الأممية التاريخية الناجحة والتحولات الاقتصادية الملهمة في تاريخ الدول لم تصنعها  شركات استشارية في السابق, ولن تصنعها في الحالة السعودية غالبا.وقد لزم التنويه لهذه الحقيقة على اعتبار أن ماتسرب من عناصر التحول الوطني من تقارير استشارية ستمثّل جزء مهم من هذا المشروع في صيغته النهائية, وخاصة ونحن في مرحلة صياغة الرؤية وتحديد الأولويات وهي مرحلة تستحق الكثير من التأمل والمراجعة, وتحدي كل ماهو نمطي ومقلّد.

الاقتصاد و العمل وثقافة المجتمع

الغالبية العظمى من الشباب السعودي لايملك المهارات والإمكانات اللازمة لخلق وإدارة اقتصاد خلاّق ومستدام

لايمكن لأي تحول اقتصادي أن ينجح بدون أن يكون العنصر البشري أحد أهم دعائمه. ونعلم جميعا أننا وبشكل كبير أهملنا العمل على بناء هذا العنصر البشري الفاعل اقتصاديا , أو وبلغة أكثر تحديدا,  فشلنا في القيام بأحد أهم أدوارنا الوطنية بحق مالايقل عن ثلاثة أجيال من السعوديين ينتمون لمرحلة ما بعد الطفرة المادية الأولى ونهاية الطفرة المادية الثانية.

فالغالبية العظمى من شبابنا وأطفالنا , مع الأسف, أدمن استهلاك كل شيء ولا يملك الحد الكافي من مهارات إدارة المال والوقت, ولا يجيد تحمل المسئولية.كما ولا يخفى على المتأمل مدى ضعف مهارات التفكير والتحليل عند معظم شبابنا بما في ذلك من تم إبتعاثهم للدراسة بالخارج.

أما على مستوى الكفاءة وجودة الإنجاز, فنحن كمجموعات عمل أو منظومات إنتاج أضعف أداء وأقل كفاءة منا كأفراد, إما بسبب ضعف مهارات العمل كفريق, أو لسوء منظومات العمل. 

إن مايجعل ضعف هذه المهارات هاجس وطني هو حقيقة أن هذه الأجيال ستقود الوطن في عصر سيحتاج قادته كل هذه المهارات وأكثر لإدارة تعقيداته , ولأن الحاجة للتخطيط والكفاءة والإبداع والعمل كمجموعات متكاملة هي أحد أهم سماته.

اقتصاد المعرفة

نحتاج للكثير من الدعم الحكومي وقيادات جديدة  بأدوات وبفكر وإمكانات مختلفة, إذا ما أردنا أن يكون لنا اقتصاد معرفة منافس

كثر الحديث عن اقتصاد المعرفة وأهمية دوره في مستقبل الدول المتطلعة للتطور أو الطامحة للبقاء في مصاف الدول المتطورة, وهو وبدون شك سيكون أحد أهم عناصر برنامج تحولنا الاقتصادي. والسؤال الأهم في الحالة السعودية هو هل نملك من المعرفة الإنسانية أو الطبيعية أو الفنية مايمكن أن يخلق قيمه مضافة, لها ثمن تجاري منافس, ويمكن حمايتها وتطويرها ؟

تحظى السعودية  بموقع تراثي وتاريخي وإستراتيجي إسلامي يؤهلها أن تكون قبلة للأمة الإسلامية وللكثير من دول العالم.

وفي إطار برنامجنا للتحول الاقتصادي يجب أن يكون التراث الإسلامي والموارد البشرية المرتبطة به أدوات معرفية تدار بفكر اقتصادي مؤسسي محترف, وهو دور مختلف تماما عن الدور السعودي الحالي والمرتكز على البعد الخيري والتطوعي. 

أما إذا نظرنا لعموم المعارف في السعودية, وكالكثير من الدول الأقل تطورا, فتميزنا المعرفي هو فردي بشكل كبير, وذلك لندرة مؤسساتنا المعرفية القادرة على العمل بشكل تجاري.

فلدينا أفراد يملكون من المعارف والمهارات ماهو جاذب ومنافس اقتصاديا كبعض الأكاديميين والمهندسين والأطباء ممن تخصص في مجالات دقيقة وكذلك متميزين من قائدي وفنيي طائرات ومتخصصين في مجال البترول والبتروكميائيات وتحلية المياه والصناعات التحويلية البلاستيكية وغيرها الكثير, ولكن لم يتم استغلال هذا المحتوى المعرفي بمحاولة وضعه في إطار تجاري بثمن اقتصادي حقيقي.

إن هذا التميز المعرفي يمكن أن يكون نواة لصناعة معرفية واعدة بشرط أن يعي الجميع أننا لانملك تنافسية وطنية حقيقة لاقتصاد معرفي مستدام بعد, وإن محاولة استيراد هذا النوع من الاقتصاد عن طريق جذب شركات عالمية لتوطين المعارف مقابل توفير دعم مادي مباشر لها, هو مضيعه للمال والجهد, فالمهارات والتكنولوجيا والتقنية تصنع ولا تنقل أو تستورد.

التصنيع كخيار إستراتيجي

التوسع في النموذج الحالي للتصنيع المعتمد على مشاريع ملياريه و ذات طاقة كثيفة منخفضة السعر هو خيار خاطئ

"التصنيع هو خيارنا الإستراتيجي" قد تكون أكثر العبارات استخداما حين يتحدث المتخصصون وغيرهم عن مستقبل السعودية وخياراتها. ولكن أي صناعة, وماهي مقوماتها, ولماذا هي خيار إستراتيجي؟

إن الصناعة بعموم مفهومها الاقتصادي تتخطى المعنى التقليدي للتصنيع المبني على استخدام مواد أوليه خام وتحويلها لمنتج منافس ذو قيمه مضافة. فالتعليم صناعة والمال صناعة والبرمجيات صناعة, وكل منتج يتم فيه تحويل مدخلات أوليه لمنتج بقيمه اقتصاديه مضافة وبثمن منافس هو صناعه اقتصادية. 

وإذا ماعدنا للحالة السعودية فالصناعة كخيار اقتصادي تعني في ذهن الغالبية, محاكاة وتقليد النموذج الكوري الجنوبي المثير للاهتمام والغير قابل للتطبيق, وذلك لاختلاف التركيبة البشرية ومقومات التنافسية للمجتمع السعودي ولقصر الوقت المتاح لتغير بهذا الحجم.

أما الحديث مثلا عن تحول اقتصادي أحد أهم مقوماته التوسع في صناعة بتروكيمائية وتعدينية واعدة وصناعة السيارات سوف يبقينا في فلك التصنيع المدعوم حكوميا والمعتمد بشكل رئيسي على طاقه رخيصة, والمرتبط عضويا بالبترول, والمنتج لمواد ووظائف وطنية محدودة العدد والقيمة المضافة.

إن ما أتمناه من أصحاب الاختصاص في هذه الصناعة أن تكون لهم نظره أكثر عمقا حين يدافعون عن الجدوى الاقتصادية للتوسع في إقامة هذه المشاريع الملياريه المعتمدة في تنافسيتها على الدعم الحكومي السخي مع مراعاة حقيقة أن هذه المشاريع غير سعوديه المحتوى وبامتياز, باستثناء الوقود والأرض وبعض المشغلين وموظفي الأمن الصناعي.

فدراسة الجدوى والتصميم الهندسي والتقنية والتمويل والمواد والأدوات وأجهزة التصنيع وتنفيذ وإدارة المشروع وصيانة المنشأة واستهلاك معظم المنتج النهائي هي أجنبية بامتياز, ولا تقدم قيمة حقيقة للاقتصاد السعودي إذا ما قورنت بحجم الدعم الحكومي وغير الحكومي المقدم لها, وخاصة إذا ما كان الحديث عن تحول اقتصادي يساهم بتنوع وقيمة اقتصادية ذاتيه.

إن أي تحليل اقتصادي عميق ومحايد لمجموعة المشاريع الصناعية الملياريه التي تمّ تنفيذها في العشر سنوات الأخيرة سيكشف حقيقة أن نصيب الوطن والمواطن من مئات المليارات من الدولارات المستثمرة في إنشاء هذه المشاريع, وعشرات المليارات من الريالات المكافئة من الدعم السنوي محدود جدا, ولا تساهم في استدامة اقتصاديه حقيقية.

مع التأكيد على أن التجربة السعودية في صناعة البترول والبتروكيمائيات رائدة ولها وزن اقتصادي وقيمة مهمة تستحق الكثير من الثناء, من دون إغفال حقيقة أن سياسة التوسع المتبعة في العقدين الأخيرين بهدف تنويع المنتجات وبدافع تعظيم اقتصاديات التصنيع لم يحالفها التوفيق ولم تكن لها ذات القيمة الاقتصادية, إذا ما قورنت بالموجة الأولى من الصناعات البتروكيمائيه.

التنافسية والتحول الاقتصادي

اقتصادنا الحالي لم يخلق أي تنافسية مستدامة مبنية على قيمة بشرية مضافة

إن سر نجاح الاقتصاديات المتقدمة هو التنافسية الأصيلة الغير قابلة للتقليد والمبنية على السعي الدائم للحفاظ عليها وتطويرها بشكل مؤسسي وفعّال. وعليه يجب أن نتقبل حقيقة أن اقتصادنا نمطي, ضعيف البنية البشرية, ومبني على ردود أفعال ويعاني من بيروقراطيه تقلل من كفاءته لحد كبير.

إن الاقتصاد السعودي هو وباختصار تبسيطي اقتصاد ريعي خدمي يمثل البترول فيه المصدر الوحيد للقيمة المضافة والوكالات التجارية الحصريه المصدر الوحيد للتنافسية الفعّاله, كما ويمثل العقار -الغير منتج- وسندات الخزينة أكبر وآمن  طرق الحفاظ على ثرواته, والمضاربة في سوق المال والمساهمات التجارية أهم قنوات تدوير هذه الثروة.

إن أي تحليل لتنافسية الاقتصاد السعودي الكامنة والغير مستغلة سيحدد عوامل قوة وفرص جذب وتحديات يجب أخذها في الحسبان عند تطوير أي إستراتيجية اقتصاديه قابله للاستدامة والتطوير, بجانب اقتصاديات البترول. فعلى سبيل المثال لا الحصر يحتم البعد الإسلامي التاريخي للسعودية دور فريد ومختلف عن باقي دول العالم وبنفس الوقت يعطيها ميزة تنافسية أصيله لم تستغل بالشكل الاقتصادي الأمثل حتى الآن.

فإذا ما أضفنا المكانة السعودية الدينية إلى إمكانيات ومكانة السعودية في خارطة الطاقة وموقعها الجغرافي كأحد أهم جسور ربط أو تقسيم لقارات العالم وقربها من مناطق النمو وقدرتها على التمويل بشروط تفضيلية, سوف نحصل على خيارات إستراتيجيه تتعدى التركيز الحالي على إستراتيجية توظيف أموال ملياريه لشراكات مع شركات عالمية للاستثمار في مشاريع كثيفة الطاقة وبقيمة اقتصادية محدودة, لا تستغل تنافسيتنا بالشكل الأمثل, ولا تقدم القيمة المضافة المرجوة من خلق وظائف نوعية أو نقل تقنية أو خدمة مستهلك أو تاجر محلي.

إن من المفيد جدا بل من الضروري أن يتساءل قادة التحول الاقتصادي عن ماهية الإضافة الإقتصاديه الكلية للعشرات من هذه المشاريع الملياريه التي كلفت المليارات لخلق بنيتها التحتية و المليارات من الدعم الحكومي السنوي بما في ذلك مليارات من الريالات صرفت لتدريب وتعليم مئات الآلاف من السعوديين في مجالات فنيه وتقنيه لم يخلق لها اقتصادنا أي حاجه أو طلبات وظيفية.

كفاءة الاقتصاد هي قيمة بذاتها

الكفاءة هي أحد خيارتنا الفعّالة لمشروع التحوّل الاقتصادي والمضمونة النتائج لتحقيق الاستدامة

يجب أيضا على صانع التحول الاقتصادي التركيز على الكفاءة كقيمة مطلقة مردودها الاقتصادي مضمون. فلو أن تخطيط الاقتصاد السعودي في العشر سنوات الماضية ركّز على الكفاءة كقيمة اقتصادية مطلقة وأعاد ترتيب الأولويات من حيث التشريعات والمعايير, بما في ذلك الحاجة لبعض المشاريع ومكان إنشائها, وكفاءة استهلاك الطاقة المرتبط بنمو هذا الاقتصاد, وقنن الحد الأقصى مما تستوعبه البنى التحتية من عمالة وافدة ومواد مستوردة , وألزم إدارات المشاريع بالمزج الصحيح بين الميكنة والعمالة البشرية, لأمكن توفير الشيء الكثير مما أهدر من مال وما أستهلك من مصادر وبنية تحتية.

اختلالات هيكلية في القطاعين العام والخاص

إعادة هيكلة قطاعنا العام والخاص هو أحد أهم أولويات نجاح مشروع التحول الاقتصادي

تعاني الكثير من القطاعات الحكومية والشركات الكبرى وشبه الحكومية اختلالات هيكليه جسيمة تجعل من البيروقراطية وتداخل الصلاحيات وعدم توافق الأهداف سماتها الغالبة, مما يجعلها تعجز عن إدارة التغيير أو تغليب المصالح الوطنية على مصالح وأهداف القطاع أو المنظومة أحيانا, ولا تملك من الإمكانات والموارد ما يؤهلها مراعاة  مصالح المواطن واقتصاديات الوطن كأولوية , إذا ماتعارضت مع هدف مرحلي أو تجاري مباشر.

كما وأن بعض التشريعات ذات الأهداف النبيلة كإدراج بعض الشركات في سوق المال وخصخصة بعض المؤسسات والأنشطة الحكومية جعل الكثير من مجالس إدارات هذه الشركات ذات المسئوليات الاقتصادية والإستراتيجيات الوطنية تغرق في تفاصيل إدارة التشغيل الشهري والأداء المالي الربع سنوي لهذه الشركات عن كل ما هو إستراتيجي وطني ومستدام.