كيف ينجح مطور المنتجات المالية والتمويلية

15/03/2016 0
د. عبد العزيز بن سعد الدغيثر

كنت خلال عملي في تطوير المنتجات في العشر السنين الماضية أبحث عمن يشاركني الهم، ممن لديه المهارات الكافية للقيام بالتطوير، فتبين أن العدد قليل جدا مقارنة بحجم البنوك السعودية والمؤسسات التمويلية الأخرى والشركات المالية وغيرها، وهذا راجع إلى عدم اهتمام المؤسسات التمويلية والمالية بالهندسة المالية، بل لا تكاد تجد في الدورات التي يقيمها المعهد المصرفي ما يقوي هذا الجانب، ولذا سنتحدث في هذا المقال عن كيفية قياس نجاح مطور المنتجات المالية والتمويلية.

إذ يلزم لمعرفة نجاح الهندسة المالية أن يكون المنتج مبتكراً وليس تقليدا أو محاكاة لعمل الآخرين، كما يلزم أن يمكن هذا المنتج المؤسسة المالية أو العميل من إنجاز عمليات لم يكن بالاستطاعة القيام بها، وإضافة إلى ذلك فلا بد أن يكون هذا المنتج يجمع بين الفعالية والكفاءة، وأهم عامل تبحث عنه المؤسسات المالية والتمويلية أن يسبب هذا المنتج في أرباح تربو على تكلفة المنتج.

وقبل البدء في التطوير يضع المبتكر إستراتيجية للتطوير عبر الآتي:

1-التركيز على عناصر القوة الداخلية للمؤسسة المالية.

2-تحديد فرص الاستثمار الممكنة.

3-تجنب المخاطر المالية من تذبذب الأسعار والمؤشرات.

ويمكن لمطور المنتجات أن يفكر في التطوير من خلال:

1-ابتكار أدوات مالية جديدة، من أوراق مالية أو عقود المبادل، ونحوها مما يغطي احتياجات العملاء.

2-ابتكار عمليات مالية جديدة من شأنها تخفيض التكاليف، مثل التداول الإلكتروني بدل الورقي، ومثل إجراء العمليات التمويلية عبر الإنترنت، أو بوسائل الاتصال الحديثة.

3-ابتكار حلول إبداعية للمشكلات المالية، كإدارة المخاطر.

ويسلك مطور المنتجات أحد المنهجين:

أولا: منهج المحاكاة: ويقصد به أن ينظر إلى منتج تقليدي في السوق، ويتم محاكاتها بتوسيط سلعة، ولها عدة ميزات منها:

1-أنها تتسم بالسهولة، فلا تحتاج إلى إعمال ذهن في التطوير.

2-أن الدراسات حول آثارها تكون جاهزة عادة، لأكونها مستخدمة في البنوك التقليدية.

3-أنه يؤدي إلى الآثار الإيجابية نفسها في المنتج التقليدي، من حيث تقليل المخاطر وزيادة الأرباح.

وأما أبرز سلبياتها فهي:

1-أن تصبح الضوابط الشرعية مجرد قيود شكلية، مما يضعف قناعة العملاء بالمنتجات الإسلامية، ويجعل التمويل الإسلامي محل شك وريبة.

2-أن تكون تلك القيود والضوابط مجرد تكلفة إضافية تحمل على العميل، ولا يكون لها أي قيمة مضافة، مما يجعل المنتجات الأصلية التقليدية أقل كلفة على العميل من المنتجات الإسلامية التي تحاكي التقليدية.

3-أن سلبيات المنتجات التقليدية ستنجر إلى المنتجات المقلدة لها.

4-أن المنتجات التقليدية جزء من منظومة ربوية وفلسفة اقتصادية مغايرة للاقتصاد الإسلامي من جهة الهدف والغاية، ومن جهة الوسيلة، فأخذ جزء من المنتجات التقليدية وترقيعه، سيظهر مشوهاً، لأن أصله كذلك.

ومع ذلك، فالحكمة ضالة المؤمن، وإذا وجد في المنتجات التقليدية ما هو مطابق للاقتصاد الإسلامي، أو يمكن تعديله دون تشويه، فلا مانع منه (الهندسة المالية الإسلامية بين النظرية والتطبيق للدكتور عبدالكريم قندوز ص 18).

ثانيا: منهج الأصالة والابتكار: ويقصد به ابتكار منتجات جديدة وفق الضوابط الشرعية، وواضح أن أبرز التحديات لهذا المنهج تتلخص في الآتي:

1-كلفة التطوير، والصياغة، ودراسة النتائج.

2-صعوبة إقناع العملاء بالمنتجات الجديدة.

3-أن الأرباح لا تكون ظاهرة في بداية التطبيق، فهو يحتاج إلى صبر وقناعة بجدوى المنتجات وتطبيقها.

وأما أبرز الإيجابيات في سلوك هذا المنهج، فتتمثل في الآتي:

1-أنه يحافظ على أصالة الاقتصاد الإسلامي.

2-أنه يمكن أن يكون أكثر ربحية من منهج المحاكاة، إذا أحسن التطبيق.

وحتى يتم قبول المنتج من أصحاب القرار في المؤسسة المالية والتمويلية فيلزم مطور المنتجات أن يتأكد من أن الربح حقيقي وبعيد عن الأنشطة الوهمية، والمضاربات التي تؤدي إلى تضخم الأسعار، كما يجب قياس النتائج المترتبة من حيث العائد والمخاطرة والتكلفة والنتائج المادية والمعنوية.

كما يمكن الحكم على المنتج بنجاحه بكونه يؤدي إلى تخفيض التكاليف أو تحسين الخدمة، أو هما معا.

ويلزم مطور المنتجات أن يلحظ أن المقصود من الهندسة المالية هو ما يلبي مصلحة حقيقية للمتعاملين في السوق المالية وليس مجرد عقد صوري من العقود الوهمية، وهذا هو ما يؤكد القيمة المضافة للابتكار، وهو مما يميز الهندسة المالية من محاولات الالتفاف على الأنظمة والقوانين والاحتيال على الأحكام الشرعية، فالحيل الشرعية والفقهية لا تنتج قيمة مضافة ولا تلبي حاجة فعلية، بل ولا تدخل تحت مفهوم الهندسة المالية المنشودة في الصناعية المالية الإسلامية.

ويلحظ أن الشريعة الإسلامية جاءت بتفاصيل ما لا يحل من المعاملات المالية، ليعمل المبتكر من خلاها، فالشريعة لم تحجر دائرة الابتكار بل حجرت دائرة الممنوع.

ومنطلق ذلك قاعدة أن الأصل في المعاملات الحل والجواز، إلا إذا خالفت نصا أو قاعدة شرعية وبناء على هذا فإن قاعدة الحل هي الأساس للابتكار المالي، لكن بشرط أن يلتزم هذا الابتكار في حدود دائرة الحلال التي لها حدود واسعة، وأن يبتعد عن دائرة المحظور أو الحرام المحصور في حدود ضيقة مقارنة مع دائرة الحلال الواسعة. 

كثير من المشتقات المالية التي يجري التعامل عليها في أسواق العقود الآجلة والمستقبلية من قبيل الرهان ومن جنس القمار الذي تحرمه جميع الشرائع السماوية.

وللأسف فإن الأسواق المالية قد تحولت إلى نادي عملاق للقمار تستخلص من خلاله الثروة من بين أيدي الآخرين، وأصبح يروج لهذه المعاملات بأنه علم إدارة المخاطر، ابتكرت أدواته التي قام بتصميمها المهندسون الماليون، ونتيجة لذلك آثر المحترفون المضاربة في المشتقات المالية عن المضاربة في الأدوات التقليدية بحثاً عن مكاسب فورية وبذلك نما القطاع الغير منتج.

وقد أعلن سوروس في لجنة البنوك الأمريكية عام 1994م صراحة " إن بعض أدوات المشتقات قد تم تصميمها خصيصاً لتمكين المؤسسات الاستثمارية من المقامرة، ولم يكن بوسع هذه المؤسسات ممارستها قبل السماح لها بذلك".

ومن الواضح لمن لديه معرفة فقهية أن موقف الفقه الإسلامي من هذه العقود الآجلة وعدم مشروعيتها لمخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية.

وقد يتفاجأ مطور المنتج المالي بأن البنك المركزي (مؤسسة النقد) قد ترفض المنتج لعدم توافقه مع اللوائح والسياسات الصادرة، ولذا لا بد أن يستعين ضمن فريق تطوير المنتج بمختص في القانون البنكي ليقنع مؤسسة النقد بتعديل سياساتها إن أمكن.

إنني أتمنى أن تتبنى مؤسسة النقد رابطة أو مجموعة لمطوري المنتجات وتتبناهم بالتدريب والرعاية، لأن المستقبل لتطوير المنتجات، ولا يحسن ذلك إلا بمن جمع بين الخبرة المصرفية والقدرة الذهنية الابتكارية مع معرفة بالجوانب القانونية والضوابط الشرعية.