متحدث الإسكان فك اللغز

13/03/2016 4
محمد العنقري

تصريح لافت أدلى به لصحيفة «مكة» المتحدث الرسمي لوزارة الإسكان الأستاذ محمد الدغيلبي؛ إذ أوضح بشكل لا يقبل التأويل أن مشكلة ضعف تملك السكن هي بالعرض الذي يعتريه خلل متباين ومتشعب، وارتفاع بالأسعار؛ إذ قال: «الوزارة وجدت أن المساكن الحالية لا تخدم سوى 25 % من المواطنين، بينما أكثر من 75 % من الشرائح لا توجد منتجات تناسبهم، من حيث السعر والموقع والمساحة الفعلية، وهو ما تعمل عليه الوزارة في مساكن تناسب احتياجات الأسر في كل مدن ومناطق المملكة» انتهى الاقتباس.

فإذا كان عدد طالبي السكن نحو 1.3 مليون مواطن - بحسب تجميع الإحصاءات بين المتقدمين على المنتج السكني وكذلك صندوق التنمية العقاري - فهذا يعني أن ما يقارب المليون منهم لا توجد منتجات سكنية تناسبهم. ولعل أبرز سبب بديهي لضعف تملك السكن هو الأسعار، الذي شدد عليه المتحدث بسياق تصريحه.

فلو كانت الأسعار منخفضة لما سمعنا بمشكلة ضعف نسب تملك السكن من الأساس، وهذا ما يؤكد أن المشكلة هي بنوعية وحجم العرض بالمنتجات السكنية، الذي ألمح له بتصريحه بأن هناك عملاً يجري لإيجاد التوازن المطلوب والملبي لاحتياجات السوق وطالبي السكن.

فالدور الأساسي الذي كنا نأمل أن تركز عليه وزارة الإسكان هو زيادة العرض في المقام الأول دون الخوض كثيرًا ببرامج التمويل التي لن تحقق أي نجاح فعلي ما لم تكن الأسعار والمنتجات مناسبة، ووفق المعايير العالمية.

فما يلاحظ على وزارة الإسكان منذ أكثر من ثلاث سنوات إلى وقتنا الحالي، وخصوصًا في الأشهر القليلة الماضية، هو غلبة الجهود التي تبذلها لإخراج منتجات تمويلية للمواطنين على جانب زيادة العرض؛ وبذلك فإن عدم قدرة 75 % من طالبي السكن على شراء ما هو مطروح بالسوق يتركز بسبب يعد المتقدم على بقية الأسباب، وهو غلاء الأسعار قياسًا بالدخل لأغلب شرائح المجتمع؛ ولذلك قد تكون الجهود لابتكار الحلول التمويلية هي لتغطية الفجوة الكبيرة بين قدرات المواطنين والأسعار، لكن الخلل يكمن في رفع حجم التمويل لملاحقة «الأسعار الملتهبة»، وهو ما يجب أن ينظر له بكثير من الحذر؛ لأنه يعني زيادة الأعباء على المواطن لتملك أصل عقاري مبالغ بسعره، أو تكلفته أصلاً عالية؛ ما يعني اقتطاعًا كبيرًا من الدخل، قد يُدخل المقترض في تعثر مستقبلاً، إضافة إلى أنه بعد أن تزيد المنتجات السكنية خلال السنوات القادمة فإن تقييم الأصول سيختلف انخفاضًا لكثرة العرض، وهذه تُعد خسائر محققة للمالكين المقترضين؛ إذ سيدفعون لسنوات طويلة مبالغ ضخمة لقيمة أصل لا يستحقها مع التقادم، بل إن التعثر المحتمل سيؤدي لخسائر أيضًا كبيرة للمقرضين، أي أن الطرفَين الخاسرَين هما الممول ومَن سيستفيد من برامج التمويل، بينما البائع سيكون المستفيد الوحيد؛ كونه تخلص من استثمار مرتفع التكلفة.

فالتمويل بأي قطاع أو اقتصاد يُعد ركيزة أساسية في تحقيق معدلات نمو وتنمية صحية، ولا خلاف عليه، لكن في مشكلة الإسكان فإن السبب فيها هو ضعف العرض، والخلل فيه وعدم توازنه مع الطلب؛ ولذلك فالمعالجة لا بد أن تتركز في العرض قبل أي برامج تمويل مرهقة للمستقبل، بل إن التمويل للمستثمرين يُعد هو الأهم؛ حتى يستطيعوا تنفيذ مشاريع تزيد العرض.

أما برامج تمويل المواطنين (أي المستفيد النهائي) فيجب أن تكون كلها مبنية على تقليص المخاطر، ولا تقتطع أكثر من ثلث الدخل، وأيضًا تغطي تكاليف تملك وحدات مناسبة بالسعر والجودة والمساحة.

فملف الإسكان يفترض أن يتحول إلى معالج لتباطؤ النمو الاقتصادي، ويحقق المصلحة لكل الأطراف، وأن لا يكون فيه أي شوائب قد تتحول لمشكلة، حلها ثمنه أكثر كلفة مما قد يتوقعه البعض.

ولنا بالأزمات المالية العالمية خير مثال؛ فالتركيز على التوسع بالتمويل المكلف قد يكون غلاء الأسعار وعدم قدرة شريحة واسعة على ما هو مطروح من منتجات قد كشفه التصريح الذي بيّن أن ثلاثة أرباع طالبي السكن لا تناسبهم المنتجات الموجودة، فهل رأت الوزارة أن الحل بكثافة برامج التمويل التي تمكّن هذه الشريحة الواسعة من تغطية شراء مساكن غالية، وبذلك نكون قد عرفنا حل اللغز بإصرارهم على التوسع ببرامج التمويل كخفض الدفعة المقدمة من طالب السكن وفق شروط أنظمة الرهن العقاري لمن يرغب في الاقتراض الذي انتهى ببرنامج الرهن الميسر الذي لن يستفيد منه إلا فئة محدودة، وكذلك القرض الإضافي، وغيرها من المنتجات التي تلاحق الأسعار الغالية، ولا تحل إلا مشكلة من طورها بنهاية المطاف، وترفع نسب التملك دون حسابات لإمكانية التعثر؛ وبالتالي التأسيس لأزمة مالية، قد تلوح في المستقبل فقط؛ لأن المنتجات الحالية بالسوق مرتفعة السعر، ولا تناسب أغلب طالبي السكن، والرغبة بسرعة إنجاز حلول تحرك نسب التملك للأعلى؟

مع التقدير لجهود وزارة الإسكان إلا أنه من المعروف أن مشكلة السكن هي نتيجة تراكمات لسنوات طويلة، لكن لب الحلول يبدأ من زيادة العرض، الذي يجب أن يحل أولاً بفك احتكار الأراضي، وكذلك طرح مخططات منح حكومية بمساحات جيدة، وكذلك حلول التطوير للمنتج السكني، ويعقبها «الحلول التمويلية الواسعة» والمناسبة لكل شريحة بحسب الدخل، فمن الأفضل أن لا تُطرح أي برامج تمويل لا تؤتي ثمارًا جيدة للمقترض في قادم السنوات، فمن يدفع قيمة مسكن على مدى عشرين عامًا بقرض وبسعر عالٍ للمسكن، وباقتطاع كبير من دخله، عليه أن يأخذ في الحسبان احتمالات تراجع قيمة العقار مع التوسع في العرض مستقبلاً.

وكذلك هل سيكون لديه القدرة على مواجهة تكاليف المعيشة مع زيادة أسعار السلع والخدمات، وكذلك متطلبات أسرته التي ستزيد وتتنوع مع الوقت؟ وهل سيكون قادرًا على تلبيتها إذا كان استقطاع القرض سيصل إلى 50 أو 65 % من دخله؟!!

نقلا عن الجزيرة