سأبدأ عمود اليوم بالجواب على السؤال الذي ختمت به عمود السبت الماضي وهو هل تستطيع دول أوبك أن تنتج جميع الكمية التي سيطلب العالم منها إنتاجها عام 2035؟. والجواب باختصار: نعم، بشرط أن تتغيّر أدوار اللاعبين والقواعد الحالية في أصول اللعبة.
قبل الاستطراد ينبغي أن أوضّح أن ما سأقوله هنا لا يعدو أن يكون مجرد تحليل أكاديمي علمي لأوضاع أسواق البترول ليس الغرض منه فرض وجهة نظر معينة للكاتب، وإنما الغرض فقط المساهمة بجهد المقل بجعل الصورة أكثر وضوحا لأصحاب القرارات لما فيه مصالح الطرفين سواء الدول المنتجة أو الدول المستهلكة فإن أصبت فبتوفيق من الله وإن أخطأت فسبحان من لا يخطئ.
إذا افترضنا صحّة التوقعات الصادرة من كل من: اوبك، ووكالة الطاقة العالمية، وإدارة معلومات الطاقة الامريكية، ومعظم الجهات الأخرى التي تقوم بإعداد ونشر توقعاتها عن أسواق البترول بأن اجمالي الطلب العالمي على البترول سيكون حوالي 108 ملايين برميل في اليوم عام 2035، وبأن اجمالي عرض البترول (باستثناء انتاج بترول اوبك) سيكون حوالي 68 مليون برميل في اليوم، فان المطلوب من اوبك ان تنتجه لعام 2035 سيكون حوالي 40 مليون برميل في اليوم.
يوجد عدة حقائق يجب ان نوضحها قبل ان نقول لماذا تستطيع او لماذا لا تستطيع منظمة اوبك ان تنتج حوالي 40 مليون برميل في اليوم عام 2035.
أولا: يلاحظ أن اختلاف التقديرات للجهات المذكورة أعلاه (اوبك، و IEA، و EIA وغيرهم من الجهات المتخصصة) ليس في تقديراتهم للأرقام الإجمالية النهائية، ولكن في تقديراتهم للعناصر التفصيلية المكونة لها فبعض الجهات تعطي عنصرا معينا (مثل: بترول الرمال او بترول الصخور او سوائل الغاز او الوقود الحيوي) تقديرا يختلف (أقل او أكثر) من ما تعطيه له الجهة الأخرى.
ثانيا: يجب تحديد ماهو المقصود بإنتاج بترول اوبك هل هو الخام وحده فقط، أم هو الخام زايد السوائل البترولية التي تخرج مرافقة عند ضخ البترول من البئر. الفرق بينهما كبير جدا بلغ حوالي خمسة ملايين برميل في اليوم في انتاج بترول اوبك عام 2010.
ثالثا: ان بعض دول اوبك كفنزويلا مثلا رغم كبر حجم احتياطياتها إلا انه ليس من المتوقع ان تزيد انتاجها بشكل يتناسب مع ضخامة حجم احتياطياتها المعلنة في تقارير اوبك، وهذا قد يرجع الى انها ربما تبالغ في احتياطياتها او ربما انها تعتقد بأن احتفاظها ببترولها للمستقبل أكثر جدوى من استنزافه الآن لا سيما بعد ان تستنزف الدول الأخرى بترولها.
رابعا: إن الدول التي يطالبها العالم بزيادة انتاجها هي في غير حاجة لزيادة انتاجها كدول مجلس التعاون، ولذا يجب على العالم ان يعترف بفضلها ويرد لها الجميل بتشجيعها على إنفاق فوائض إيرادات بترولها في تنمية اقتصادياتها الوطنية وإيجاد بدائل للدخل لا ان ينظر الى هذه الفوائض على انها زائدة عن احتياجاتها يمكن استغلالها في تمويل عجوزات اقتصاديات الدول الأخرى، بل يجب ان يعتبر ان مجرد زيادة انتاجها أكثر من احتياجها في حد ذاته هو تضحية تستحق عليها الشكر
بأخذنا في الاعتبار أوضاع أسواق البترول المذكورة أعلاه فإننا نستخلص ان عاملين يلعبان الدور الحاسم في استطاعة اوبك ان تنتج جميع الكمية المطلوب منها انتاجها عام 2035 هما: أولا قدرة الدول خارج أوبك على انتاج الكمية المطلوب منها انتاجها حوالي 68 مليون برميل، وثانيا تصحيح طريقة حساب السوائل في انتاج أوبك فبدلا من حسابها ضمن انتاج خارج أوبك يضاف الى انتاج أوبك.لقد بلغ انتاج بترول اوبك عام 2010 حوالي 34.32 مليون برميل في اليوم منه حوالي 29.27 مليون برميل Crude (خام) واالباقي حوالي 4.90 مليون برميل NGLs (سوائل بترولية)، لذا فإن تصحيح طريقة حساب السوائل التي تنتجها اوبك ستجعل الزيادة المطلوب ان تنتجها اوبك من خامها حوالي أربعة ملايين برميل في اليوم، وهذه الزيادة يمكن تلبيتها من زيادة انتاج العراق.
في زاوية السبت القادم - إن شاء الله - سأحاول ان أجيب على بعض الأسئلة الافتراضية التي قد يثيرها بعض الغموض في موضوع زاوية اليوم.